السبت، 29 أكتوبر 2016

"الديكاميرون" .. ألف ليلة وليلة بنكهة إيطالية


"أعرف أنى كنت أميل للشعر حتى وأنا فى بطن أمي ،فقد ولدت للأدب وحده"
جيوفاني بوكاشيو
...

في سياق مشروع للترجمة طاول وتعدى سقف الـ 110 كتاب من الاسبانية وشقيقتها البرتغالية وتحديداً أعمال جوزية ساراماغو، أنجز المترجم الفذ صالح علماني ترجمة عمل إيطالي واحد صدر عام 2006 عن دار المدى في سلسلة أعمال خالدة، ولكنه عمل بمئة عمل، أنه ملحمة "الديكاميرون" لجيوفاني بوكاشيو، ابن القرن الرابع عشر، حيث أنه من مواليد فلورنسا (1313 – 21 ديسمبر 1375) ، والذي كتب رائعته على منوال وأجواء ألف ليلة وليلة ولكن عبر عدة رواة وبحدود عشر حكايات في الليلة الواحدة، وباللغة العامية الإيطالية التي بدأت للتو الانشقاق عن اللاتينية العريقة.
هذا العمل الأسطوري الذي ترجم إلى كل لغات الأرض، لم يتصدى لترجمته أحد قبل مبادرة علماني الانتحارية.
وما تمت ترجمته سابقا كما أشار أستاذنا في مقدمة ترجمته مجرد قصص منتزعة من صلب الرواية أجتهد في تقديمها رائد أدب الأطفال كامل الكيلاني عام 1929 ومحاولة أخرى قام بها إسماعيل كامل عام 1956 عبر سلسلة كتابي التي كان يشرف عليها حلمي مراد.
ولكن بعد ترجمة علماني صدرت في القاهرة عام 2016 ترجمة جديدة كاملة عن سلسلة "المائة كتاب" زاعمة أنها أول ترجمة عربية كاملة، عن الإيطالية مباشرة.
والترجمة الجديدة صدرت في جزئين وألف صفحة، من ترجمة الدكتور عبد الله النجار، وعصام السيد، وقدم لها الدكتور حسين محمود الذي حصل على دكتوراة الأدب المقارن عبر رسالته (ألف ليلة وليلة والديكاميرون: دراسة مقارنة، مع ترجمة لعشر قصص من الديكاميرون).
هذه أجواء ترجمة الديكاميرون إلى العربية، ولكن عوالمها الروائية والسردية أكثر إغراء وحميمية.
..

فالديكاميرون، ومعناها باليونانية: ديكا وهيميرا (يوم)، أي "الأيام العشرة"، والتي توصف بـ " تحفة التراث الإيطالي والإنساني، الكرنفال المترف بالحب والمتعة والجمال، صندوق الحكايات السرية والبهجة واللوعة والغواية والامتاع والعشق والمجون والمكر والخديعة والإغراء والسخرية والتهكم والمؤانسة والهتك والشعوذة والتلبس والوله والحرية والاعتراف والتصابي والتنكر. كل هذا وغيره في قصص يومية مبهرة تحدث في الطريق أو وراء الأبواب المغلقة أو في الهواء الطلق أو في الغابة السحرية، بعيداً عن محاكم التفتيش والتزمت تنفلت الرغبات الطبيعية الحية العطشى وتتسامى في نزعاتها الحرة لترسم لوحة متحركة مدهشة قد تصدم الخائفين من الأشباح أو من أنفسهم، أو من الحقيقة العارية"
كما أنها من الأعمال التي تصمد ضد الزمن لأنها تكتب ببداهة اللحظة الأولى ولكن لتبقى حاضرة في كل العصور، محافظة على دهشتها وبكارة روايتها الأولى.
وقد أحسن صنعا وبذكاء خارق وذائقة مترفة المخرج العظيم بيير باولو بازوليني في تحويل بعض قصص هذه الملحمة إلى عمل سينمائي عام 1971 ، واستطاع فيه أن يستحضر كل تناقضات البشر الذي جسدتهم الرواية مع مرج البراءة بالخداع والطيبة بالكراهية والسذاجة بالخيانة، وفيلم «الديكاميرون» هو جزء من ثلاثية أطلق عليها بازوليني اسم "ثلاثية الحياة" وتضم أيضا "حكايا كونتربري" و" ألف ليلة وليلة".
..
أخيرا
" الديكاميرون"
رواية يجب أن تقرأ.
+++
رابط الفيلم
https://www.youtube.com/watch?v=AdLjE0oMuDk
https://www.youtube.com/watch?v=FDzOTXxtfGU

إيزابيل اليندي .. هل تعيد الأعتبار إلى جائزة نوبل؟


والمكتبة العربية تستعد لاستقبال عملين جديدين للروائية التشيلية - الامريكية ايزابيل اليندي، أولهما رواية " الحبيب الياباني".
لابد من الوقوف بجد أمام ظاهرة ايزابيل لدي المتلقي العربي
مبدعا وقارئا، فإذا ارتهنا الى جماليات وغرائبية رواية امريكا اللاتينية، نجد ان روائيين وروائيات كثر من هذه القارة، ترجموا الى العربية ولم يحققوا ولو جزءا يسيرا من ذيوع ايزابيل.
اما الحديث عن مفارقتها وحداثتها فإننا نجد في اعمال أخيرين مثل كارلوس فوينتيس واستورياس ويوسا مفارقة اكبر، ومع ذلك نجد ان غابريل ماركيز هو الوحيد هو الذي نال الدرجة كاملة، في المتابعة والترجمة والاهتمام، امام ما سواه فهم متفاوتون، ولولا أعمال بعينها ك "بيدرو بارامو" و " السيد الرئيس " و "حلم السلتي" لما انشغلنا بهم.
الجانب الأهم الاخر في قراءة هذه التجربة الايزابيلية نجده في مقارنتها بكاتب شعبي جماهيري هو البرازيلي باولو كويليو، فإذا كان كويليو من المبدعين الأكثر شيوعا في العالم بالنسبة للكتاب المعاصرين نجده في عالمنا العربي لا يقترب كثيراً من هذا المجد لان ايزابيل تقف له بالمرصاد، وعلى كل مستويات القرّاء.
وأخيرا
اذا ارتهنا الى عناية المترجم الفذ صالح علماني بتقديمها الى القاريء العربي، نجد ايضا في قائمة ترجمات علماني الفوق مئوية أسماء كبيرة وأعمال مهمة لم تنل بعض ما نالته اعمال اليندي.
..
اذا ما الذي يجعل لاعمال ايزابيل اليندي كل هذا الحضور والطغيان القرائي؟
من وجهة نظري، أعتقد ان ايزابيل استطاعت تحقيق المعادلة الحرجة والخلطة السرية، للعمل الروائي الجذاب والفاتن.
فأعمالها بعيدة عن تيار الوعي الذي يستفز كثيراً من القرّاء. وهي تصف نفسها دائما بأنها "مستمعة جيدة وصيادة قصص" وتضيف "كل شخص لديه قصة وجميع قصص مثيرة للاهتمام ، وعندما أقرأ الصحف، أجد قصصا صغيرة مدفونة ذات عمق كبير مدفونة داخل الصفحة ، يمكن أن تكون مصدر إلهام لرواية"
وفضاءاتها تمزج بين الذاكرة الدقيقة والمحطات التاريخية الحرجة، مع صناعة متخيل روائي ذو بعد إنساني، يربط كل هذه الأجواء بالواقع المعاصر من خلال إسقاط ذكي ولماح وغير مباشر.
..
أيضا، تتجسد الشخصية الروائية وخاصة النسائية في اعمال ايزابيل بأوجاع ومشاغل وهموم وآمال هي أقرب ما تكون الى الواقع العربي المعاصر.
كما أن الزمن الروائي في أعمال اليندي غالبا مايكون، زمن متوالي بدون انحرافات استعادية او استدراكية، الا ما ندر وفي اعمال غالبا ما ترتبط بالذكريات.
ولهذا نجد في كل رواية لإيزابيل محطة حرجة مرتبطة بحدث ما تحوله إلى حدث كوني
فتاريخ 8 يناير الذي قدسته إلى حد أن أصبح موعد بداية أي عمل جديد لها، أرتبط بذاكرتها بخبر وفاة جدها عندما كانت تقيم في فنزويلا وعندما في شرعت في كتابة رسالة له، في ذلك التاريخ، تحولت هذه الرسالة إلى رواية هي روايتها الأولى " بيت الأرواح"
ومنذ ذلك اليوم صار 8 يناير بوابتها للكتابة، كما أن وفاة ابنتها باولا تحول إلى محطة مهمة في حياتها تعدى حدود روايتها "باولا" ومحطات أخرى كثيرة تحولت إلى أعمال فاتنة
المحطة التاريخية الوحيدة التي تتجنب الكتابة الروائية عنها هي سيرة ودراماتيكية رحيل ابن عم أبيها الرئيس التشيلي سلفادور اليندي
وتبرر ذلك بقولها
" أنا فاشلة في كتابة السيرة، كما أنني لن أكون موضوعية في الكتابة"
ولكنها عندما تسأل هل كان رحيله مصيرا مقدرا؟
ترد بشجاعة: نعم، ولكن يجب أن لا نبريء القتلة.
الغريب ان الاعمال التي كتبتها ايزابيل بروح تسويقية - تشويقية ووجهتها للفتيان مثل "مملكة التنين الذهبي" و"غابة الأقزام" و"زورو" لم تجد قبولا كاعمالها الروائية الاخرى
..
كل اعمال ايزابيل ترجمت الى العربية ما عدا واحد، اذا استثنينا العملين الذين في طور الترجمة.
..
تقاسم الفذ والبديع علماني والمترجم المبدع رفعت عطفة ترجمة أعمالها وبعض الكتب ترجمت مرتين
..
من عام ١٩٩٥ وروايات ايزابيل رقم ثابت في مبيعات معارض الكتب العربية.
..
أخيراً
بعد خيبات جائزة نوبل المتوالية ووقوفها بشدة ضد مشاعر وتمنيات وتوقعات القراء والنقاد، هل يكون فوز ايزابيل بها العام المقبل محطة إنقاذ في مسير’ الجائزة التي لا تولي اهتماما بأحد؟

الجمعة، 14 أكتوبر 2016

ساباتو بين الحرف والدم يحفر نفقا لأرواحنا




الإبداع فضاء لا متناهي
والكتابة حفر في الآبار.
والحديث عن الأدب في أمريكا اللاتينية حديث لا يمل، والأسماء الحاضرة من تلك الأقاصي إلى قلب المشهد العربي وقبل ذلك العالمي، أكثر من الحصروالرصد والتصنيف.
فيكفي نوجه البوصلة نحو رفوف مكتباتنا وقلوبنا
لنصطدم بكل من نيرودا، ميسترال، بورخيس، ماركيز، يوسا، كارلوس فوينتيس، ماريو بينديتي ،خوان رولفو، خوليو كورتازار، إيزابيل اليندي وآخرين كثر.
ولكن مهما كانت القائمة متخمة والأسماء كثيفة، فأننا لا يمكن نغفل عن أحد أبرز الأسماء في فضاء الابداع اللاتيني المكتوب بالاسبانبة،
وأعني الروائي والقاص والباحث والشاعر وأيضا الفزيائي إرنستو ساباتو.
..
فهذا الذي عاش قرنا من الزمان إلا أشهر معدودات،
وبدأ حياته بل استمر طويلا عالما يحمل شهادة الدكتوراة من جامعة لابلاتا القومية في تخصصه الخطير الفيزياء النووية، وكان باحثا في مختبر كوري الفرنسي حيث وشمت روحه في تلك المرحلة الصاخبة رياح السوريالية التي كانت تحترق كالماء في فضاءات مدينة الموضات الأدبية والفكرية والجمالية.
وبعد ذلك لفترة قصيرة في معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا قبل أن يكفر بكل هذا، وبالعلم الذي رأى أنه يهدد البشرية ويعود إلى الأرجنتين عام 1940 متفرغا للكتابة والرسم والتدريس الحامعي.
حتى انتهى به الوضع أن يموت بقرطبة في بيت بدون كهرباء ولا وسائل حياة حديثة.
..
هذا الزخم العلمي الثقيل الوزن لم يضغط عليه ولم يشكله، بل أن روحه الجامحة للحرية والانعتاق هي التي ضغطت عليه، وجعلته يمضي بعيدا، بعيدا
مكانا وأزمنة.
فبعد أن فشل أيديولوجيا ورأى أن الماركسية التي حاول أن يعانقها ترفض حريته ويرفض قيودها،
وفشل في مواصلة شغفه بالعلوم التي استشرف أنها ستقود العالم إلى الهاوية والخراب
كتب روايته الأولى " النفق" عام 1948
العام المشؤوم بالنسبة لنا، حيث لقيت صدى أرجنتينيا عاليا وتلقفتها كافة الدول اللاتينية والدول الناطقة بالاسبانية بتقديركبير، بل أنها وجدت صدى عالميا حتى أشاد بها الروائيان العالميان الألماني توماس مان والفرنسي البير كامو بقوة. وترجمتها دار غاليمار الفرنسية فورا قبل أن تنتقل إلى لغات العالم الأخرى.
وتحولت إلى أكثر من فيلم بسبب شغف الناس بها.
ولكنها ليست أول محطاته الكتابية، حيث اقتحم المجال الأدبي عام 1941 بقراءة في رواية (اختراع موريل ) للروائي أدولفو بيوي كاساريس.
وللعلم فقد صدرت الترجمة العربية لهذه الرواية البديعة عن منشورات الجمل بترجمة تصدى لها الشاعر أحمد يماني.
وإذا كانت سمعته الروائية العظيمة بنيت على 3 روايات فقط ترجمت كلها إلى العربية
هي "لنفق" – دار الأهالي
و"ملاك الجحيم – آبدون" – وزارة الثقافة السورية
و"أبطال وقبور" – دار الأهالي ثم صدرت الترجمة المعدلة والنهائية عن الدار الوطنية الجديدة
وجميع هذه الترجمات من انجاز المترجم عبدالسلام عقيل
إلا أن تجربته الكتابية أرحب من ذلك بكثير حيث أصدر 21 كتابا في مجالات النقد والفكر والفنون
ومجموعتين لمختاراته القصصية مع عدة كتب أخرى جمعت فيها كتاباته عن الوجودية والثقافة الوطنية والفكر القومي وتجاربه في الرسم وكرة القدم والتانغو.
ومن هذه الكتب ترجم إلى العربية
كتاب " الكاتب وكوابيسه" عن دارأزمنة بأنجاز عدنان المبارك
ثم ترجم مرة أخرى بعنوان " الكاتب وأشباحه" عن المركز القومي المصري للترجمة من انجاز سلوى محمود
كما صدر كتاب "الممانعة" مرتين
مرة عن مجلة الرافد الإماراتية ومرة عن دار كنعان ولترجمة واحدة هي ترجمة أحمد الوزيري
وأصدرت دار المدى من ترجمة المتخصص في ساباتو عبدالسلام عقيل كتاب "إرنستو ساباتو بين الحرف والدم" الذي يشمل الحوارات المطوله التي أجراها معه كارلوس كاتانيا.
وربما صدرت له ترجمات أخرى خذلتني الذاكرة والمكتبة التي لم تستعيد وعيها بعد في تذكرها.
--
المهم
من كل هذا
تبدو في تجربة ساباتو معطيات مشرقة لمعنى الكتابة
كخيار أول في الحياة
وأنها ليست تنفيسا ولا تعبيرا عن حياة
بل مواجهة حقيقية ومحتدمة مع الوجود
ولكن النفس الوجودي المتخم بالسوداوية
والخائف من آثار الغلو في تقديس العلم
جعلته ينحاز أكثر مما يجب
لجهة واحدة
ولكنها جهة أحتضنته حتى شارف المائة عام
وهو مستقر ومتصالح
مع الطبيعةوالحياة الأولى وعالم الناس في المقاهي.
أخيراً
ونحن نعيش مرارة نوبل
نتذكر أن ساباتو رشح لجائزتها ثلاث مرات آخرها عام 1999 ولكنه رحل دون أن ينالها.

السبت، 8 أكتوبر 2016

المخيلة أصدق من الواقع .. والإبداع كذبة في خدمة الحقيقة


" أعتقد أن باراغواي هي أكثر البلدان فتنة، وإثارة، ومتعة في العالم بأسره"
سي بي مانسفيلد
1852
--
تحتل المخيلة مساحة كبيرة في العمل الإبداعي ولكنها في العمل الروائي تحتل مساحة مضاعفة، بل تكون صلب العمل وعموده الفقري، إن لم تكن كل العمل تقريباً.
وإذا كانت بعض الروايات وظفت الحادثة التاريخية وأعادت صياغتها من جديد "ليون الأفريقي – أمين معلوف"، أو صنعت من المكان الواقعي مكانا متخيلا وصنعت حوله شخوصا وأحداثا " مئة عام من العزلة – جارسيا غابريل ماركيز" أو حولت حادثة عابرة إلى حادثة كونية تغير مجرى التاريخ " البيت الكبير- الفارو سيبيدا ساموديو" أو استهلمت من أجواء التراث عالما موازيا وصنعت من لغته وشخوصه أحداثا متخيله في واقع شبيه"الزيني بركات – جمال العيطاني" أو وظفت العوالم الحديثة وشخوصها كأقنعة لعوالم وشخوص تاريخية " أولاد حارتنا – نجيب محفوظ".
وقس على هذه التشابكات بين الواقعي والمتخيل كثيرا في صناعة البنى الروائية.
ولكن أن يكون المكان متخيلا والحوادث افتراضية والشخوص مختلقة، فأننا إذا أمام عمل من الأعمال القليلة التي تنجح بإيصال المخيلة لمستوى مضاهاة الواقع.
ورواية " الأخبار من باراغواي" للأمريكية ليلي توك التي صدرت ترجمتها العربية عن دار كلمة الإماراتية تحقق هذا وبحرفية عالية وتقنية كتابية عالية المستوى، وتدفق معلوماتي وتاريخي يفوق الوصف، إلى حد أن يتساءل القاريء كيف يمكن للخيال أن يصنع واقعه ووقائعه بهذه الدقة والابداع.
خاصة وأن ليلي توك لا علاقة لها بالباراغواي عرقيا ولم تسكن بها بل ولم تزرها وأن كل ما كتبته في هذه الرواية من مشاهد حياتية وأجتماعية وطبيعية وبيئية وسياسية وتاريخية لم يكن سوى حصيلة ذهنها المتقد وخيالها الرحب وقراءاتها العميقة.
إلى حد أنه عندما فازت بجائزة الكتاب الوطني، الجائزة الأدبية الأهم في أمريكا وصف رئيس لجنة تحكيم الجائزة هذه الرواية بـ "بالمذهلة" لأنها "مزيج من اللغة والخيال نظراً لأن الروائية لم تسافر أبداً الى هذا البلد ومع ذلك ساعدها خيالها على وضع هذه الرواية".
ولذلك صدق مترجمها الليبي فرج الترهوني حين أوجز في وصف عوالمها قائلا "سيجد القارئ المهتم بتاريخ أميركا الجنوبية هذه الرواية بالغة الإثارة. فالكاتبة التي قضت فترة صباها هناك، جمعت تنوعا من المعلومات التاريخية، وصاغتها في حبكة قصصية مشوقة تجمع بين الدراما والكوميديا السوداء. تركز الرواية بالدرجة الأولى على شخصية فرانكو سولانو لوبيز، ثم تطور الحبكة حول عشيقته الأيرلندية الشقراء إيلا لاينش التي قد يماثل موقعها ونفوذها دور إيفا بيرون في الأرجنتين. الخط الأساسي الذي ترتكز عليه الرواية هو مذكرات إيلا ورسائلها إلى صديقتها الدوقة الفرنسية، وما تضمنته هذه الرسائل من أوصاف لفترة مكوثها في باراغواي وللحادثات التي شهدتها إيلا، ويستشف منها الحيوية التي تمتعت بها رغم الظروف المحيطة."
ولكي لا تلتبس على القاريء عبارة " قضت فترة من صباها هناك" فالمقصود البيرو والأورغواي، بينما الباراغواي فلم تحط قدما بها، وكل ما كتبته في الرواية عنها كان من مخيلتها أو توظيفا لبعض المعلومات المستقاة من بعض الكتب التاريخية والطبيعية مثل " رسائل من ميدان المعركة في باراغواي" للكابتن ريتشارد اف بورتون و"تاريخ باراغواي" لتشارلز واتسبون و" الحرب في باراغواي" لجورج تومسون وأخيرا "سبع سنوات حافلة بالاحداث في الباراغواي" لجورج فردريك ماسترمان.
من هذه الكتب ومن توهج المخيلة صنعت عوالمها الملحمية وحروبها الدامية وديكتاتورها المتعجرف وبطلتها إيلا لنش المتورطة في كل شيء في رحلة زمانية مكانية شكلت عالما روائيا متماسكاً.
وكأن ليلي توك توكد لنا هنا مقولة الروائي الفذ كين كيسي حين قال " الإبداع هو كذبة في خدمة الحقيقة"
..
أخيرا
إذا أردت أن تعرف ما يحدث في الباراغوي
بل أن أردت أن تعرف ما يحدث في دول الديكتاتوريات المخلوعة وجمهوريات الموز وملكات الجمال وحراس فتنة كرة القدم وملوك المخدرات
فاقرأ " الأخبارمن باراغواي"

الجمعة، 7 أكتوبر 2016

باتريك في "أوروبيانا" يفضح تاريخ أوروبا والقرن العشرين


منذ أن أطلعنا على كتابات الأوروغواياني إدواردو غاليانو الذي يعرفه القاريء العربي جيدا منذ "كرة القدم بين الشمس والظل" وحتى "مرايا: ما يشبه تاريخا للعالم" و" الشرايين المفتوحة لأمريكا اللاتينية"

ونحن نعيش حالة ذعرمن إعادة صياغة الذاكرة التاريخية برؤية سردية، توظف انتقائياتها واختياراتها واختزالاتها الماكرة بصورة تجعل المشهد دراميا وكأننا أمام عمل روائي تتسلسل أحداثه حسب بوصلة المبدع لا حسب مسيرة التاريخ.
ولكن الحقيقة الدامية أن كل ما حدث مهما كان سوداويا هو حقيقي، وتكرر أكثر من مرة إلى حد أن ذاكرة التاريخ لم تستطع نسيانه ولا طمس ملامحه.
ولكن تجربة غاليانو المذهلة ليست الوحيدة، فهناك أيضا من تصدى لهذه المهمة في محاكمة التاريخ بالتاريخ ومواجهة الواقع بوقائعه.
ومن هؤلاء الممعنين في النبش كحفاري الحفور في دهاليز الماضي البعيد والقريب التشيكي باتريك أورشادنيك الذي سطر فجيعة أوروبا الدامية في ملحمته "أوربيانا : مختصر تاريخ القرن العشرين" الذي أنجز ترجمتها د. خالد البلتاجي عام 2014 كمحطة مهمة من ترجماته العديدة عن التشيكية ومنها ترجماته لكافكا وفاسلاف هافل واميل هاكل وآخرين ولم توزع جيدا في المكتبة العربية بسبب استحواذ "دار العربي" غير ذائعة الصيت عليها.

..

وعودة إلى باتريك الذي منذ هجرته الى فرنسا عام 1984 وهو في الـ 27 من عمره، مبررا ذلك بصدامه مع النظام واختلافه مع الديكتاتورية وهروبه من الاختناق الفكري وبحثه عن حياة مختلفة، نجده يغوص في المجتمع الفرنسي بكل تحولاته بدءا من عمله كمستشار للعبة الشطرنج ثم أمين مكتبة حتى دخوله مجال الصحافة الثقافية والعمل في الجامعة الحرة

ولكنه كان على الدوام مبدعا ومترجما حيث ترجم من التشيكية الى الفرنسية بعض أعمال بوهوميل هرابال ، فلاديمير خلان ، يناير سكاسيل ، ميروسلاف هولوب وجورج قريسا، بينما ترجم من الفرنسية إلى التشيكية بعض أعمال فرانسوا رابليه ، ألفريد جاري ، ريمون كينو ، صموئيل بيكيت ، هنري ميشو ، بوريس فيان وكلود سيمون,
ولكن ما أنجزه وترجمه يقف خجولا أمام عتبة عمله الرائع " أوربيانا : مختصر تاريخ القرن العشرين" الذب صدر أولا عام 2001 بالتشيكية ثم ترجم بعد ذلك إلى أكثر من 30 لغة، ولفت انتباه العالم وحصد الجوائز من مسقط رأسه وحتى أمريكا.
حيث يروي بدون أختصار ولا رحمة قصة الموتى والتطهير العرقي ومجازر القرن العشرين التي فتكت بالأوروبيين، دون أن ينسى حمالات الصدر وطول الجنود الألمان وكل ذلك بطرافة وتهكم ولغة ثرية وباذخة البهاء.

..
ومن أجواء الكتاب تأكيداً على هذه العذوبة نتلقط هذه المشاهدات:

" كان بعض المؤرخين لاحقا يقول أن القرن العشرين بدأ في عام 1914، مع اندلاع الحرب، لأنها كانت أول حرب في التاريخ يشارك فيها هذا العدد الكبير من الدول، ويموت فيها هذا العدد الكبير من البشر وتطير السفن الجوية والطائرات لتقذف الاراضي والمدن والمدنيين، وتغرق الغواصات والسفن وتطلق القذائف من المظلات على بعدعشرة أوعشرين كيلومترا.

كانت الحرب التي اخترع فيها الألمان الغاز، والإنجليز الدبابات.

واكتشف فيها العلماء النظائر ونظرية النسبية ، التي اثبتت انه لا وجود للميتافيزيقيا، وان كل شيء نسبي.

وعندما رأى القناصة السنغاليون الطائرة لأول مرة اعتقدوا أنها طائر اليف وقام احد الجنود السنغاليين باجترار قطع لحم من جثث الخيول الميتة، وراح يرميها بكل عزم على الطائرات حتى تبتعد عنه.

كان الجنود يرتدون زيا اخضر مموها حتى لا يراهم الأعداء وكان هذا امرا جديدا وقتها حيث كان الجنود في الحروب السابقة يرتدون أزياء مزركشة للغاية حتى يسهل التعرف عليهم من بعيد.

وظهرت في الهواء السفن الطائرة والطائرات واصيبت منها الخيول بالفزغ,

وراح الادباء يبحثون عن أسلوب افضل للتعبير ففكروا في عام 1916 في الدادائية لأن كل شيء بدا لهم سخيفا.

وفي روسيا فكروا في الثورة.

فحمل الجنود حول اعناقهم أومعصمهم علامة تحمل اسمهم ورقم الكتيبة التي يتبعونها حتى يسهل التعرف عليهم لكي يرسلوا لذويهم برقيات التعزية، وعندما كانت رقابهم او أيديهم تنفصل عن أجسادهم

اثناء الانفجار كانت القيادة العسكرية تعلن انهم جنود مجهولون

وكانوا يشعلون شعلة كبيرة في معظم العواصم لاحياء ذكراهم لانالنار تحتفظ بذاكرة الماضي

كان طول طابور الجنود الفرنسيين الذين لحقوا حتفهم في الحرب يمتد الى مسافة 2681 كيلومترا، وطابور الجنود الانجليز 1547 كيلو مترا والجنود الألمان 3010 بمتوسط طول الجثة 172 سم.

وكان اجمالي طول طابور الموتى في انحاء العالم 15508 كم

انتشرفي عام 1918 وباء البرد في كل انحاء العالم,
كانوا يطلقون عليه نزلة البرد الاسبانية التي قتلت أكثر من عشرين مليون نسمة.

قال معارضو الحرب ومناهضو التسليح لاحقا ان هؤلاء كانوا من ضحايا الحروب.

لان الجنود ومثلهم المدنيون كانوا يعيشون في ظروف صحية سيئة.

وأكد علماء علم الامراض ان من ماتوا بسبب الانفلونزا كانوا أكثر ممن ماتوا في الحروب وخاصة في جزر المحيط الهاديء، والهند، والولايات المتحدة الامريكية.

وقال الفوضويون ان هذا ما يجب أن تكون عليه الأمور،

لان العالم قد فسد، ويتجه نحو الفناء."
...
أخيراً
كم هو مرعب هذا العالم.

الأربعاء، 5 أكتوبر 2016

فلسفة القرن العشرين بنكهة فرنسية


كان يساورني شك يصل إلى حد اليقين بأن فضاء الفلسفة في العالم منذ أن زرع فيه نيتشة صرخة الاحتجاج، وذهب به هايدغر بعيدا باتجاه حدود الشعر، وفرنسا هي من تحمل الراية وفلاسفتها هم من يدوزنون الإيقاع، في صناعة الزمن الفلسفي للقرن العشرين، بعد أن كانت الجدلية الألمانية والنفعية الإنجليزية هما من تقودان المركب في القرنين الثامن والتاسع عشر.
ولكن كل هذا كان شكا لم أحاول أن أعرضه للتجربة وأقايسه بالواقع وأختبره بالجدال، حتى استفزني كتاب " فرنسا وفلاسفتها في مئة عام" للمفكر الفرنسي جان لويس فابياني الذي صدرت ترجمته العام الفائت عن دار الفارابي.
فهذا الكتاب حفزني على تملي النظر في قائمة الفلاسفة الفرنسيين الذين وشموا أتجاهات الفكر في المئة سنة الأخيرة، خاصة وأن يغوص في واقع المجتمع الفرنسي الذي أنجب هذه النماذج محاولا صناعة التبرير المنطقي الذي يسمح بوجود كل هذه القامات، ومعيدا ذلك إلى الأرث الفكري المتقد والحيوي دائما وقاعة الدرس في البيئة التعليمية الفرنسية.
ولأن الفضول لا حدود له، قادني هذا الكتاب لقراءة جديدة ومختلفة لكتاب آخر أعتز بوجوده في المكتبة العربية ومكتبتي خاصة هو كتاب " خمسون مفكرا أساسيا معاصرا – من البنيوية إلى ما بعد الحداثة" للاسترالي جون ليشته الذي ترجمه للعربية د. فاتن البستاني وراجع ترجمته د. بدوي وأصدرته المنظمة العربية للترجمة.
حيث وجدت أن الباحث الأسترالي ليشته وربما بتأثير من دراسته في باريس رصد في قائمته الخمسينية كما هائلا من الأسماء الفرنسية، الذي طغى حضورها على المشهد الفرنسي والعالمي أما بأفكارها المباشرة أو بسبب تأثيرها العميق على أصوات تناسلت من رؤاها ولكنها صارت أكثر مشهدية وتأثيرا من صناعها.
تبدا الأصوات الفرنسية في قائمة الـ 50 التي أعدها ليشته، باسم المفكر غاستون باشلار الحاضر في المشهد الادبي والأبداعي عالميا وحتى عربيا،
ثم تتوالى الأسماء حيث نجد
- جورج كانغيلام " عراب التوجهات البنيوية"
- جان كافاييس " صانع التغيير في تضاريس الفكر الفرنسي"
- مارسيل موس " المرجعية الأساسية لجيل بورديو – بوديار – دريدا – فوكو"
- موريس مرلو – بونتي " فيلسوف الوعي الفرنسي"
- لويس ألتوسير " الفيلسوف الماركسي في مدرسة المعلمين العليا"
- إميل بنفينست " حضور اللسانيات في الفلسفة"
- بيار بورديو " الفلسفة تنعش الفكر السوسيولوجي"
- جورج دوميزيل " الفلسفة تعود إلى حضن الأساطير"
- جيرار جينيت " تكريس السيميائيات في قراءة النصوص"
- جان لاكان " التحليل النفسي بعيدا عن التنويم المغناطيسي"
- كريستيان متز " قراءة السينما فلسفيا"
- ميشا سير " الحياة لعبة والمعرفة مهرج"
- فرنان بردويل " الأجل الطويل في فلسفة التاريخ"
- جورج باتاي " الفلسفة شذرات والعمى عنصر أساسي"
- جيل دولوز "الوعي الذاتي في الاختلاف والتكرار"
- جاك دريدا " الفلسفة بوصفها تفكيكا"
- ميشال فوكو " لذة الحياة واركيولوجيا المعرفة"
- رولان بارت " الحياة علامات والكتابة عند درجة الصفر"
- ميشال لودوف " الفلسفة ممارسة تحررية"
- الآن تورين " إعادة قراءة الحداثة"
- موريس بلانشو " الحياة من أجل الكتابة"
- فيليب سولير " تغيير معايير القراءة"
- جان بوديار " الكتابة بدون خلفية وكل شيء مؤجل"
- مارغرييت دورا " الفلسفة حياة ورواية وفيلم"
- جان فرانسوا ليوتار " الاختلاف حالة ما بعد الحداثة"
هذه الأسماء التي بلغت شهرة بعضها الآفاق وصارت ماركة مسجلة، ليست وحدها من تعطر بالفكر الفرنسي، فهناك جوليا كريستيفا وتودوروف وآخرون ليسو فرنسيين مولدا ولكن فلسفة فرنسا أحتوتهم تماما.
كما فرنسا التي أنجبتهم أنجبت من هم أشهر من هؤلاء في القرن العشرين مثل سارتر والبركامي وسيمون دي بوفوار ولو كانوا بعيدين عن البنيوية والحداثة وما بعد الحداثة.
..
ليست هذه قراءة في كتاب
ولا مناقشة حول تاريخ الفلسفة
ولا جدل عن نظريات فكرية قابلة للنقض والبناء
ولكنها تلويحة محبة لفرنسا وهي تزدهي بنكهة شانيل.

قصة 10 أيام سرقت من التاريخ


"تنويعات على مقام أكتوبر"
-----
لا علاقة لي، لا من قريب ولا من بعيد بشهر أكتوبر، إلا أنني أجبرت أن أكون مقترنا به ومقترنا بي غصبا عني وعنه، وتصالحا على ذلك بعد أن سكن في ذاكرة الناس بحدثيين عالميين 
ثورة أكتوبر
وحرب أكتوبر
ولكن أكتوبر عند صائدي الجوائز صار يعني موسم جوائز نوبل التي تفتح موسمها بالطب وتنهيه بالسلام، حيث لا حرب حقيقية ولا سلام صريح.
الآن صار أيضا مرتبطا بجوائز كتارا.
هذه الحفاوة بأكتوبر جعلتني - بدافع الفضول - بعد أن تزايدت حصيلتي من الأحداث التي ترتطم بأحد أيامه، أن أفتش في ملفه السري الذي يعرفه العالم ولا أعرفه أنا.
فأكتشفت أن البشرية نامت في مثل هذه الليلة مساء 5 أكتوبر الذي كان يوافق يوم جمعة في عام 1582م ليستيقظوا يوم الجمعة ولكنه بتاريخ 15 أكتوبر 1582م.
فاقدين 10 أيام من تاريخهم.
وحدث كل هذا لأن بابا روما غريغوريوس الثالث عشر لاحظ أن يوم الاعتدال الربيعي وقع في 11 مارس بدلاً من 21 مارس، بفارق عشرة أيام، فكلف الراهب اليسيوس ليليوس ليقوم بتعديل التقويم اليولياني، فقلب التاريخ رأسا على عقب.
هذا الموضوع المتشعب جعلني أنهمك في قراءة كتاب " النسيء" لنيازي عز الدين الذي صار على خطى الدكتور محمود شحرور، ووجدت معالجة لم يكتب لبنجاح لقلب التاريخ الهجري ليواكب الشمسي.
وبعوض فاقد الأيام بينهما، والذي كانت تعالجه العرب في الجاهلية بالنسيء.
القراءة في تاريخ التواريخ جعلتني أكتشف أن المناط بهم رصد الأشهر كانوا يزيدون يوما هنا ويوما هناك من أجل إرضاء القيصر ليكون شهره أطول من شهر سواه.
المهم أن هذه الحادثة جعلتني أشك بكل التواريخ القديمة التي تقال وتكتب وتبنى عليها قصص وحكابات، وكأنها حدث مؤكد بينما كل الشواهد تقول أنها بدلت وحولت تواريخها هذا إذا كانت حدثت فعلا.
ولكن أكتوبر ليس كله تاريخا
فالبشرية في القرن العشرين أفضت عليه جوا احتفاليا طاغيا
فصار يجمع اليوم العالمي للفتاة باليوم العالمي للمسنين، كما أنه يستوعب الأيام العالمية لغسل اليدين ، والمرأة الريفية، والقهوة.
أما على مستوى المؤسسات فهو اليوم العالمي لكل من البريد والأحصاء والإسكان والادخار.
طبيا وأجتماعيا يحتضن أيضا اليوم العالمي للتوعية من سرطان الثدي واليوم العالمي لا للعنف واليوم العالمي للصحة النفسية وكذلك الصحة العقلية.
كما أن الأم والأب والمعلم والطفل والأجد سيجدون يومهم مننظرا في هذا الشهر.
ولا يتوقف أكتوبر عن احتضان الأيام .
وبينما دول أمريكا الشمالية واللاتينية والكاريبي ومعهم اسبانيا وايطاليا يحتفلون بيوم 12 أكتوبر باعتباره يوم كولمبوس الذي اكتشف فيها أمريكا، فأن العالم أجمع يتضامن مع الهنود الحمر الذين قضوا نتيجة هذا الاكتشاف ويحتفلون بيوم الموتى في 31 أكتوبر استباقا لموعده في 1 و 2 نوفمبر.
ولجرح العرب فلسطين فأن يوم 15 أكتوبر هو يوم إعلانها استقلالها الأول عام 1948.
وكذلك الصين وأوغندا وتركمانستان وزامبيا وتركيا والفاتيكان واسبانيا وكازاخستان تحتفل بيومها الوطني في هذا الشهر.
أما عقائديا ففي هذا الشهر عيد كارفا شوت الهندوسي وعيد القدّيسين "الهالووين" ويوم الغفران اليهودي وعيد ديوالي السيخي
كما يحتفل الكوريون باختراع الهانغول الأبجدية الرسمية للغتهم الرسمية.
هذا ما فسح المجال به، وإلا فأن القائمة وتطول لتصل حد الأغذية والبحرية والحصاد.
ولكن ماالذي جمع أكتوبروأيامه الضائعة بي، إلا الضياع المبين.
كل أكتوبر
وما بعد أكتوبر
والحياة نجاح / انجاز / محبة.

الاثنين، 3 أكتوبر 2016

أخطرعميلة تزوير كتاب في العالم .. أرتكبها سباك


وأنا أمارس طقسي اليومي في ترتيب مكتبتي الممزقة الأحشاء، صادفني كتاب خرافي هو " العين الثالثة" لمؤلفه لوبسانج رامبا والذي كنت منذ مدة أعتزم طرحه للمناقشة والحوارحول الكتب المختلقة، التي روج لها بورخيس ومارسها فرناندو بيسوا.
هذا الكتاب الذي أعتبره من وجهة نظري أكبرعملية تزويرمكتملة الأركان أستطاعت أن تخترق كل المعوقات والمحاذير، وأن تكون حدثا ثقافيا بأمتياز، مع تحقيق نسبة اقبال غير معقولة جعلته يطبع عشرات الطبعات ويترجم ألى أغلب لغات العالم.
--
قصتي مع الكتاب بدأت حينما كنت قبل حوالي 15 سنة أجول في معرض القاهرة للكتاب، وأبحث عن الدور غير الرائجة، وأعني الدور التي لا تجد كتبها خارج القاهرة، وربما حتى في القاهرة لا تجدها بيسر وسهولة، وكانت من بين هذه الدور دار سندباد للنشر والتوزيع التي غيرت اسمها الآن إلى سندباد للنشر والاعلام، لم تستفزني اصدارتها المعروضة آنذاك ولكن وجدت كتابا بترجمة الروائي والمترجم الفلسطيني أحمد عمر شاهين الذي عاش ومات في مصر، ومن المصادفات أن يموت في في عام صدور ترجمته لهذا الكتاب 2001.
ولأنني أحترم اختيارات شاهين في الترجمة توقعت أنني وجدت صيدا ثمينا، وفعلا كان كذلك، خاصة وأن الناشرأو المترجم كتب في غلاف الترجمة الأخير" لوبسانج رامبا هذا اللاما التبتي الذي قال العرافون – وكلمتهم لا ترد هناك – أن النجوم حكمت بأن يكون راهبا طبيبا....
هذه سيرته الذاتية التي كتبها بالانجليزية بعد خروجه من التبت وعدم قدرته العودة إلى هناك بسبب الغزو الصيني لبلاده.
أثارت الكثير من الدهشة، وأقبل عليها القراء حتى طبعت أكثر من ثلاثين طبعة، وهذه الترجمة عن الطبعة السادسة والعشرين سنة 1992"
إلى هنا والكلام محفز وعوالم التبت وطقوسه الشاهقة والبعيدة تغري بالقراءة، وكما توقعت كانت اطلالة لي على عوالم مختلفة عن الأجواء البوذية التقليدية التي قرأناها كثيرا.
--
ولكن المفاجأة التي لا تخطر على بال
أنني بعد سنوات عدة من قراءته ونسيان عوالمه مر علي هذاالكتاب وكان في رف الكتب الافريقية ولا أدري لماذا انتقل إلى هناك، فقمت بشيء من الفضول أبحث في قوقل عن هذا الكاتب ومن أي دولة افريقية هو وهل ترجمت له كتب أخرى.
وكانت الصدمة الانترنتية، التي سقطت علي كالصاعقة.
لوبسانج رامبا لم يكن سوى سباك اسمه سيريل هنري هوسكينز، جذبته هذه العوالم فقضى وقتا طويلا يقرأ عنها ويتلبسها حتى بلغت به المغامرة أن يكتب كتابه " العين الثالثة" ويختار اسما مخترعا له من هذه الأجواء هو لوبسانج رامبا وارسل مسودة هذا الكتاب بكل جراءة إلى دار نشرسكرآند وربورغ التي اشتهرت في الستينات بنشر أعمال سيمون دي بوفوار ، م. كوتزي ، ألبرتو مورافيا وغونتر غراس .
حتى تحولت عام 2005 إلى دار هارفيل سكر بعد اندماجها الكلي مع دارهارفيل.
المهم أن الدار مارست كالعادة آليات أجازة الكتب للنشر، وارسال مسوداتها إلى المختصين، حيث أرسلت مسودة العين الثالثة إلى عدة اختصاصين في شؤون الدراسات والعقائد الشرقية وكانت ردودهم دائما
" الكتاب مختلق والمؤلف ليس تبتيا ولم يزر التبت ولا حتى الهند"
ولكن مسؤولو الدار كانت لهم نظرة أخرى فوقعوا معه عام 1956عقدا لطباعة الكتاب بـ 800 جنية إسترليني توازي 18 ألف بسعر صرف العملة الآن.
--
وكما توقع الناشرون نجح الكتاب وذاع صيته، ولكن أحد من عرضت عليهم مسودة الكتاب وهو الباحث هيو ريتشاردسون لم يرض بما حدث وكلف المخبر الخاص كليفورد بورغيس بالبحث والتحري والتحقيق في هذا الموضوع وكشف ملابسات هذا الكتاب.
واستطاع بورغيس أن يكشف حقيقة المختلق وأنه ليس سوى سباك من ديفون ولد عام 1910 ولم يسافر للتبيت أبدا.
نشرت نتائج التحقيقات في صحيفة الديلي ميل فبراير 1958 وأثارت ضجة كبيرة، ولكن المختلق لم يستسلم وقال أن روح اللاما تلبسته واستولت على جسده.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أنه استمر في تأليف الكتب في هذا الشأن وأصدر 19 كتابا بعد ذلك.
ولأن الوضع لم يعد مريحا له في إنجلترا هاجر إلى كندا، وهناك وجد الفرصة سانحة له ليروج لأفكاره وكتبه حتى توفي عام 1981
--
الغريب في الأمر أن الدالاي لاما علق على الموضوع قائلا "بالرغم من أن هذه الكتب مختلقة ووهمية، إلا أنها خلقت دعاية جيدة للتبت"
...
ترجمة الراحل شاهين ليست الوحيدة فبعد سنوات وسنوات ترجم هذه القصة المختلقة عام 2010 طبيب القلب الدكتور غازي الحلبي في كتابه "بوذي من التيبت" ودون إشارة طبعا لموضوع الاختلاق.
المثير في الأمر" أن هذه الترجمة صدرت عن المركز العربي للأبحاث والتوثيق

لولا الصدفة والغباء لكان مجرى التاريخ مختلفا


”لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون العصي والحجارة.“
- ألبرت أينشتاين -
--
بعض الكتب تتجاوز كل تصنيف، وتحتل مكانا أثيراً في الذاكرة، ويمكن لك أن تقرأها في أي وقت وأي مكان.
من بين هذه الكتب يحتل كتاب "العامل الحاسم .. دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ" لايريك دورتشميد موقعا متميزاً في قائمة الكتب الفريدة في محتواها وطريق كتابتها.
فهو وأن كان يبدو للوهلة الأولى أنه كتاب في تاريخ الحروب، أو التاريخ العسكري عموماً، إلا أنه يتجنب الشجاعة والبطولة والفروسية الخارقة، وينحاز للمفرقات من الخطأ الغبي إلى الطقس السيء، مرورا بالشخصيات الفاشلة والاستخبارات السيئة والأحداث المباغتة.
ولهذا فأننا عندما نتصفح طبعته العربية التي انجزها المترجم السوري محمد حبيب، الذي ترجم للمكتبة العربية عدة كتب لافتة منها " العمى" لساراماغو و "رددت الجبال الصدى" لخالد حسيني و "أساطير السلطة" لتيري إيجلتون.
سوف نجد كما هائلا من المفارقات التي سقطت سهوا من ذاكرة الذين تماسوا مع هذه الحروب من قبل، بسبب تركيزهم الفائق عن أي بطولة مزعومة أو خطة ناجحة لم تحصد سوى مزيد من القتلى والضحايا.
..
ذاكرة الكتاب تمتد من حصار طروادة وحتى حرب الخليج 91 وبينهما سنجد معركة حطين ومعركة واترلووسقوط جدار برلين وأحداث عسكرية مفارقة أخرى كثيرة لا قاسم بينهما سوف الحظ السيء والتصرف الأسوأ. وكأن أبطالها قد استوعبوا مقولة إلبرت هوبار مبكرا حين قال " قد يكون للعبقرية حدود، لكن الغباء فلا عائق أمامه".
..
مؤلف الكتاب ايريك دورتشميد لم يأت إلى هذه المنطقة غير المنزوعة السلاح من فراغ ، أو رغبة للعبث بأوراق التاريخ، بل هو ضحية أساسية لجور الحروب ومرارتها، فبيت عائلته الذي ولد فيه في 25 ديسمبر لعام 1930 ، بل كل الحي السكني الذي عاش طفولته ومراهقته بالعاصمة النمساوية فيينا، جميعا دمرت كلياُ أثناء الغزو النازي للنمسا.
ولهذا عندما هاجر من النمسا إلى كندا عام 1952، درس الاعلام بجامعة ماكجيل في مونتريال، حيث عمل بعد ذلك وللأخير مراسلاً حربيا من قلب المعركة وصائد الشخصيات المثيرة وجها لوجه، حين عمل لـقناتي BBC وCBS ، فكانت تغطياته وتقاريره الإخبارية الساخنة تأتي دائما ممزوجة برائحة البارود وشواء الأجساد المحترقة من حرب فيتنام, وبأحداث ايرلندا الشمالية وشيلي وكوبا وأفغانستان والحرب العراقية الإيرانية.إلى حد أن قال عنه نيويورك تايمز "لقد شاهد دورتشميد حروباً أكثر من أي جنرال على قيد الحياة".
كما أجرى حوارات مدوية مع أهم الشخصيات أثناء الأحداث الساخنة كجون كيندي وسلفادور اللندي وصدام حسين
وساعده الحظ السعيد ليكون المصور الوحيد الذي رافق كاسترو والثوار الكوبيين أثناء تحريرجبال سييرا مايسترا عام 1958.
وبعد ذلك بسنة كان الوحيد الذي يذهب لموسكو لمقابلة الجاسوس البريطاني لروسيا غاي بورغيس الذي كان أحد خلية كامبريدج للتجسس قبل وأثناء الحرب الباردة لمصلحة الدب الروسي وضمت معه دونالد ماكلين ، انتوني بلانت و كيم فيلبي.
وأيضا كان أحد أعضاء أول فريق من أمريكا الشمالية يسمح له بالتصوير في قلب الصين الشعبية عام 1964.
..
وعودة إلى كتاب "العامل الحاسم .. دور الصدفة والغباء في تغيير مجرى التاريخ" فأنه بكل المقاييس كتاب فاتن،جذاب، حميم.يستحق القراءة المحبة، ويحتوي على مفارقات لو لم تحدث لكان مسار تأريخ البشرية قد تغير بالكامل، حتى وأن كان موضوعه قد سبق تناوله بشكل أو بآخر في بعض الكتب مثل "من بين فكي النصر" لتشارلز فاير، و"مساهمة في معرفة الغباء البشري" لأنطونيو توستي.
--
رابط الكتاب
http://arareaders.com/downloads/982.pdf

"المواقف والمخاطبات" .. عودة النفري بعد ألف عام


"كلما إتسعت الرؤية، ضاقت العبارة"
النفري
..
بعض الكتب تتجاوز الزمان والمكان، تتجاوزكل تصنيف،وتتحدى النوعية وتقفز على كل الأشكال، وتتحول إلى ايقونة على قدرة الكتابة على معاندة الاندثار والمحو واليباب.
في مقدمة هذه الكتب من وجهة نظري كتاب " المواقف والمخطابات" للنفري.
فهذا الكتاب الذي أعاد له الحياة في واقعنا الثقافي العربي من ذاكرة النسيان وغبار التجاهل المستشرق الإنجليزي آرثر يوحنا آربري وأصدره محققا بعناية فائقة بعد مقابلته على سبع نسخ وقدمه للمكتبة العربية مع مقدمة موسعة عن الكتاب وتاريخه جاءت باللغة الانجليزية وطبعه عام 1934عن مطبعة دار الكتب المصريّة بالقاهرة، وكانت علاقة آربري مع النفري قد بدأت مع أول بحث نشره عنه في مجلة الثقافة الإسلامية عام 1930.
وآربري الذي درس اللغات الشرقية في جامعة كامبريدج، ثم تخصص أكثر ودرس اللغة العربية بالقاهرة، التي عاد لها بعد ذلك لتولى رئاسة قسم الدراسات القديمة بالجامعة المصرية وهو في السابعة والعشرين من عمره، له عدة تحفيفات ذائعة الصيت منها كتاب "التعرف إلى أهل التصوف" للكلاباذي، وكتاب "الرياضة" للحكيم الترمذي.ولكن لا شيء يداني تحقيقه للمواقف والمخاطبات. ثم جاء الأب بولس نويا سنة 1973 لينشر ما لم ينشر من رسالتي المواقف والمخاطبات في كتابه “نصوص صوفية غير منشورة".
...
شخصية النفري شخصية غامضة ملتبسة فجل ما نعرفه عنه ، أن اسمه هو محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري الذي ولد في مدينة نِفَّر الواقعة على ضفاف نهر الفرات شرقاً ولكنه تنقل كثيرا بين العراق ومصر، وتذكر المصادر أنه عاش في القرن الرابع الهجري مؤكدة وفاته في عام 375 هـ/965 بينما تأريخ ولاته ما زال ملتبساً.
كما أنه عاصر الحلاج وعايش مأساته، وشهد تداعيات صلبه التي أثرت على تصرفاته وتعاملاته مع من حوله.
وتؤكد المصادر أيضا بأن النفري لم يجمع نصوصه وأشعاره في كتاب أو ديوان بل كان يلقيها على مريديه ويدون بعضها في قصاصات حتى جاء حفيده بعد ذلك وجمعها في هذا السفر الخالد " المواقف والمخاطبات"
..
وعودة للمواقف والمخاطبات والنفري فأننا نكتشف حقيقة جديدة، فإذا كان أربري هو الذي أعاده إلى الحياة، فأن أدونيس هو الذي عمق وجوده في مشهدنا الثقافي وكرس وجوده رمزاً ومرجعية، ثم انهال عليه الشعراء بعد ذلك من كل حدب وصوب وأنا منهم.
ولم يتوقف تأثيره عند الشعراء بل تسرب إلى الروائيين وكتاب القصة القصيرة.
..
علاقتي به بدأت من خلال نصوص أدونيس التي تقاطع فيها مع بنائية الجملة وتراكيبها في " المواقف والمخاطبات" وبعض الدراسات النقدية التي تناولت علاقة قصيدة النثر العربية بالمرجعيات الكتابية الصوفية وتحديدا عند النفري.
وأتذكر في هذا السياق مقالا جميلا لصديقنا الشاعر محمد الدميني نشر في مجلة اليمامة عام 1985 سرد فيها قصة القبض على نسخة من المواقف في مكتبة أرامكو.
أما أنا فقد قبضت عليه بعد ذلك بعام في مكتبة البيان المندثرة والتي كان مواقعها بشارع الستين في جدة مقابل الموقع الحالي لمكتبتي المريخ وكنوز المعرفة، ومن هذه المكتبة حصلنا على " الهفت والأظلة" وديواني يوسف الخال وأمل دنقل والأعمال المسرحية لمعين بسيسو والكتاب الفذ " في معرفة النص" للدكتورة يمنى العيد.
..
وإذا كان لآربري فضل عودة الحياة للنفري والمواقف فأن الباحثين العرب بعد سطوع نجمه بدأوا في الالتفات له، وبعد عدة طبعات من الكتاب على مدى 60 عاما لم تكن سوى طباعة طبق الأصل عن الطبعة الأولى، بدأت تظهر طبعات جديدة للمواقف والمخاطبات اضافت ما تم اكتشافه من نصوص جديدة للمؤلف مع جمع لشوارده الشعرية وصدرت هذه الطبعات الجديدة عن منشورات الجمل بتحقيق سعيد الغانمي وكانت سابقا قد أعادت طباعة الكتاب عن اانسخة المصرية الأولى.
وعن دار المدى بتحقيق قاسم محمد عباس الذي أصدر أولا كتاب "النطق والصمت" واحتوى على شذرات - المناجيات - الديوان
كما أن الهيئة المصرية للكتاب أصدرت عدة طبعات منها طبعة بتحقيق عبدالقادر محمود وهناك طبعة مصرية أخرى بتحقيق جمال المرزوقي.
كما طبع وحقق كتاب شرح مواقف النفري لعفيف الدين التلمساني عدة مرات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل صدرت عدة تستقريء نصوص الكتاب وفلسفة النفري منها "صوفية والفراغ - الكتابة عند النفري" لخالد بلقاسم
و "فلسفة التصوف .. محمد بن عبد الجبار النفري" لجمال أحمد سعيد المرزوقي
و "الفكر الصوفي عند النفري: تأمل في مقامي الوقفة والرؤيا" لوليد عبد الله.

ليلة ألتقيت فيها رسول حمزاتوف


الآن "بلدي داغستان" للمبدع العظيم رسول حمزاتوف
في كل مكان وعلى كل لسان.
وهذا ما يعيد الذاكرة إلى زمن أول
ففي الثمانينات، كانت في محيط مجتمع المثقفين قائمة كتب تعتبر حالة استثنائية عن سواها، ومن بين هذه الكتب كان كتاب بلدي للشاعر الداغستاني الشهير رسول حمزاتوف حاضرا بقوة متناهية، وكانت نسخه النادره وأعني طبعة دار الفارابي تتداول بديناميكية بين الأصدقاء.
حصلت على نسختي من الطبعة الاولى بغلافها الأسود بطريقتي الخاصة، وأعرتها مرارا، وكدت وأصدقائي آنذاك ان نحفظ جل مقولاته الدالة بحكمتها المؤثرة وترجمتها الانيقة التي تعاضد على انجازها عبد المعين ملوحي و يوسف حلاق
و تاليا، و سنة بعد أخرى بدأ الحديث يخفت حول بلدي ورسول حمزاتوف و أدت ندرة الحصول على هذه الترجمة في طبعاتها الثلاث الى ما يشبه النسيان.
وكنت كلما حاورت أحد الصاعدين بجمال الى ساحة الكتابة عنه أفاجأ بسؤال أين نجد هذه الترجمة في ظل عدم طباعتها مرة جديدة من دار الفارابي.
...
وفي زيارة ليست عابرة الى دمشق وجدت مجموعة نسخ مزورة من هذه الترجمة قامت بتصويرها و طباعتها دار اسمها نوبل في الشارع المقابل لفندق الشام، فاقتنيت مجموعة منها،ووزعتها على من أحبوا حمزاتوف تواترا ، وللحق والحقيقة كان الورق صقيلا في هذه النسخة المصورة.
كل هذا التذكر هو سياق تأريخي لعلاقتي بكتاب بلدي ورسول حمزاتوف الذي أعادت طباعته دارالفارابي في السنوات الاخيرة بنسخة جديدة تباع في كل مكان حتى في جدة والرياض. وأيضا أصدرته دار نينوى في طبعة أنيقة
ولكن المصادفة المذهلة هي ما حدث في تسعينيات القرن الماضي، حيث وصل لنا في الصحيفة " صحيفة عكاظ" اتصال من قنصلية داغستان بعد تفكك الاتحاد السوفيتي يفيد بان الشاعر رسول حمزاتوف موجود في جدة بعد ادائه مشاعر العمرة بمكة المكرمة وسيذهب بعد ايام للمدينة المنورة ولا مانع لديه من مقابلة معكم.
رتب رئيسنا في القسم الثقافي ومساعد رئيس التحرير الدكتور سعيد السريحي للقاء ودعاه لزيارة عكاظ والالتقاء ببعض المثقفين المتاحين في ذلك الوقت الحرج.
تم اللقاء وحدثت المشكلة الغير المتوقعة بعد أن أعددنا العدة لتكون اللغة الانجليزية هي وسيلة التواصل مع ضيفنا الكبير، فنحن لا نعرف الروسية ولا الداغستانية ولكن المفاجأة هي انه لا يتكلم العربية ولا الانجليزية
و لكن زميلا لنا من الاعلاميين اليميين الجنوبيين العامليين بمركز المعلومات أنقذ الموقف بادارته الحوار باللغة الروسية التي يجيدها بسبب دراسته الاعلام في موسكو واسترسل ليلتها رسول حمزاتوف في الاجابة بشغف عن الكتابة والشعر والمرأة و داغستان المكان والكتاب وعلاقته بسفيرنا في المغرب - السفير السعودي آنذاك في موسكو د.عبدالعزيز خوجة - وترجمته لقصائده وانجذابه نحو قصائد الحب التي يكتبها شاعر من مكة وتأثره بهذه التجربة الروحية التي أعادته إلى يقين الدين ).
وأذكر أن سألته عن جده شامل فأجاب بقوله : أنا ذاهب الى المدينة المنورة لأقف على قبره فهو مات هناك كما روى لي أبي.
...
ومرت سنوات على هذا اللقاء ولازالت صورة حمزاتوف وكتابه الوحيد الذي ترجم إلى العربية في ذاكرتي. وفي كل رحلة إلى معرض من معارض الكتب كنت أبحث عن جديد له ولا أجد سوى بعض الترجمات المتناثرة هنا أو هناك في المجلات المتخصصة.
حتى وقع بين يدي ترجمة حديثة لديوان حمزاتوف الأخير الذي حمل عنوان (من القصائد الأخيرة) وفيه تأكدت تماما أن تأثر حمزاتوف لم يكن تأثرا عابرا بل أثمر عن نصوص إيمانية عميقة خرجت للنور بعد سنوات من اليقين المادي واهمها حين يقول:
(طريقنا..
من الحطام المنهار كانت جسورا
كانت حزينة ومنحدرة
أرجو الله أن يجعل أحفادنا
يميزون الحق من الباطل)
فما أجمل المصادفات عندما يكون الشعر فارسها الوحيد.
_
الآن هناك عدة ترجمات لرسول حمزاتوف شاعرا
ولكن يظل (بلدي) شيئا مختلفا عن كل شيء.

السبت، 1 أكتوبر 2016

"ذاكرة الشعوب" .. السلسلة التي لا تنسى والذكرى التي لا تشيخ


في حياة أي مهتم بالقراءة ومبتلى بهوس اقتناء الكتب، رصيد ما يعتبر كنزا ثمينا، لا يدانية في القيمة والأثر أي شيء آخر.
ومن الكتب العزيزة علي، وأحتفي وتحتفي بها مكتبتي لقيمتها وأهميتها وندرتها ومرجعيتها وأولويتها،
الكتب الـ 33 التي أصدرتها المؤسسة العربية للأبحاث قبيل اندثارها عبر سلسلة " ذاكرة الشعوب".
..
قيمة هذه السلسة وأهميتها التي وصلت إصدارتها الى ٣٣ كتابا
هي ٣٢ رواية
و دراسة فكرية واحدة
صدرت بعنوان " تصفية استعمار العقل" للروائي والمفكر الكيني نغوجي واثيونغو وترجمها الشاعر الكبير سعدي يوسف
اضافة الى ترجماته الاخرى في هذه السلسلة وهي:
الحوالة للروائي والسينمائي السنغالي سبين عثمان
والمفسرون للروائي النيجيري النوبلي وول سوينكا
والشمس الثالثة عشرة للروائي الاثيوبي دانياتشو وركو.
تكمن في عدة مسوغات، من أهمها أنها قدمت للمرة الاولى و ربما الاخيرة روايات من
هاييتي
غينيا
الكاريبي
الموزمبيق
اثيوبيا
غامبيا
كما ان فضليتها الاخرى هي تحفيز أدباء مبدعين ليقتحموا عالم الترجمة مثل الأصدقاء
د. عيسى مخلوف
و الروائي ابراهيم عبدالمجيد
والشاعر وديع سعادة
أضافة إلى العريق محمد عيتاني والفذ سعدي يوسف
..
هذه السلسلة التي بدأت برواية "الصبي الخادم" للكاميروني فرديناند ايونو الذي ترجمت له بعد ذلك دار منارات رائعته "الشيخ والوسام"
والذي استطاع من 3 روايات فقط صناعة المجد لا يضاهى.
ويكاد يوازي الروائي المكسيكي الأشهر والأب الروحي للواقعية السحرية خوان رولفو ورائعته بيدرو بارامو وشقيقاتها الثلاث
الروائي والسياسي الكاميروني فرديناند أويونو أصدرخلال الفترة من 1956 إلى 1960
3 روايات ذائعة الصيت
3 روايات فقط
ثم توقف تماما
لمدة نصف قرن حتى رحيله عن الكتابة و عن الحياة.
روايات اويونو الثلاث هي:
- الصبي الخادم
و صدرت عام 1956 و ترجمت الى الانجليزية 1966
و كانت ترجمتها العربية التي انجزها محمود قدري
هي باكورة سلسلة ذاكرة الشعوب
حين شرعت في الصدور عام 1981
- الشيخ و الوسام
و صدرت بالفرنسية في نفس العام الذي صدرت فيه روايته الاولى 1956
بينما صدرت ترجمتها الانجليزية 1969
وكانت ترجمتها العربية على يد المبدع الكبير ممدوح عدوان
وصدرت عن دار منارات 1985
ثم أعيد اصدارها عن دار أزمنة 1999
- الطريق إلى أوروبا
و صدرت عام 1960 بينما صدرت بالانجليزية 1989
و لم تترجم إلى العربية بعد - حسب علمي –
وانتهت سلسلة ذاكرة الشعوب برواية "فنان اللافتات" للروائي الهندي الأشهر ر . ك . نارايان التي حملت الرقم 33.
..
الكتاب الثاني في السلسلة
كان رواية "" طيران فوق عِش الوقواق" للروائي الأمريكي كين كيسي
الرواية التي كانت نشيد الرفض الإنساني للتوحش الراسمالي
والتي عندما تحولت إلى فيلم
أصبح الفيلم احد اجمل أيقونات السينما الامريكية
وحصد خمس اوسكارات
ومن حسن الحظ أن ترجمة المبدع صبحي حديدي صدرت لها طبعة جديدة عن الدار الأهلية – الأردن بعد ٣٥ عاما من طبعة ذاكرة الشعوب
..
كما يحتل الروائي النيجيري غينوا تشيبي " تشنيوا أتشيبي" مساحة رحبة في سلسلة ذاكرة الشعوب مثلما هو يحتل مساحة عالية ومنفردة في الأدب الروائي الأفريقي المكتوب بالانجليزية
حيث صدرت له عبر السلسلة روايته الأولى " الأشياء تتداعي" و" مضى عهد الراحة"
وهذا العملان جزءان من ثلاثية تضم اضافة لهما رواية " سهم الله"
وقد ترجمت رواية " الأشياء تتداعى" خمس مرات إلى العربية
بينما لم تترجم" مضى عهد الراحة" سوى مرة واحدة عبر سلسلة ذاكرة الشعوب وأنجز هذه المهمة المترجم نزار مروة
وكذلك " سهم الله" التي لم يترجمها سوى سمير عبد ربه
هذه حسب معلومات مكتبتي وربما تكون هناك ترجمات لم أطلع عليها.
..
من جهته كان الأدب الالماني حاضرا عبر نموذجه الأعذب "إريش ريماك" الذي أصدرت له السلسلة من ترجمة ليلى نعيم
" ثلاثة رفاق"
و"ليلة لشبونة"
وهذان العملان أعادت طباعتهما دار أثر عبر سلسلة كلاسيكات أثر
وصدرت لريماك أيضا بالعربية رواية " كل شيء هاديء في الميدان الغربي"
عن سلسلة روايات الهلال
وأعمال أخرى صدرت في العراق في الثلاثينيات ولا وجود لها الآن.
..
كما صدرت عن السلسلة أيضا رواية "موت ارتيميو كروز" للكبير كارلوس فوينتيس من ترجمة الرائع محمد عيتاني
وهذه الرواية صدرت لها ترجمة مصرية من انجاز أحمد حسان
ولفوينتيس حضور في سوق الترجمة العربي ولكن لا يوازي قيمته الشاهقة، حيث صدرت له
- المرأة الدفينة – ترجمة : علي ابراهيم منوفي – المركز القوميالمصري للترجمة ولهذه الرواية ترجمة مغربية سحبت من معرض الرياض العام قبل الماضي
- ديانا القناصة المستوحدة – ترجمة : هبة العطار – دار شرقيات (مصر)
- الغرينغو العجوز – ترجمة : الياس فركوح – دار ازمنة ( الأردن)
- الحملة من ترجمة أسامة أسبر عن دار الطليعة الجديدة - دمشق
- كرسي النسر – ترجمة : مروة رزق – سلسلة الجوائز ( القاهرة) وصدرت لهذه الرواية ترجمة أخرى بعنوان " كرسي الرئاسة" انجزها خالد الجبيلي وصدرت داررؤية - القاهرة ودار كنعان - دمشق
كما أن روايته القصيرة ( أورا) التي ترجمها مبكرا المترجم المذهل صالح علماني وخرجت للنور عبر العدد المزودج من مجلة الكرمل 21 -22 واعادت نشرها في طبعة غير متداولة بكثرة وربما تكون سرية دار رؤية في القاهرة الا منشورات الجمل اعادت ترجمتها وهذه المرة قام بمهمة الترجمة خالد الجبيلي
..
وترجمت السلسلة أيضا رواية " مسألة شخصية" للروائي الياباني النوبلي كينز ابورو اوي من انجاز الشاعر وديع سعادة
والملفت من كينز ابورو اوي أنه ما أن تسلم جائزة نوبل عام 1994
و هو في ال 59 حتى وضع القلم و الحرف و الكتابة جانبا
وهو في أوج عطائه الأدبي وقال للجميع:
"لدي ولد من ذوي الاحتياجات الخاصة
أصبح الآن هو صوتي"
و تفرغ تماما للاهتمام به
من حسن الحظ أن إبداعاته ترجمها للعربية
الرائعون
سعدي يوسف
وديع سعادة
كمال يوسف حسين
إضافة إلى ترجمتين مكررتين
لروايتين من هذه الروايات صدرت عن روايات للهلال
..
كلما غلبني الحنين
و يا كثر ما يغلبني
عدت الى جدراني الاساسية و الجذرية
وهذه السلسلة لتكون الضياء في عتمة الزمان والمكان.
فربما تكون الجدار الأخير.