الاثنين، 3 أكتوبر 2016

"المواقف والمخاطبات" .. عودة النفري بعد ألف عام


"كلما إتسعت الرؤية، ضاقت العبارة"
النفري
..
بعض الكتب تتجاوز الزمان والمكان، تتجاوزكل تصنيف،وتتحدى النوعية وتقفز على كل الأشكال، وتتحول إلى ايقونة على قدرة الكتابة على معاندة الاندثار والمحو واليباب.
في مقدمة هذه الكتب من وجهة نظري كتاب " المواقف والمخطابات" للنفري.
فهذا الكتاب الذي أعاد له الحياة في واقعنا الثقافي العربي من ذاكرة النسيان وغبار التجاهل المستشرق الإنجليزي آرثر يوحنا آربري وأصدره محققا بعناية فائقة بعد مقابلته على سبع نسخ وقدمه للمكتبة العربية مع مقدمة موسعة عن الكتاب وتاريخه جاءت باللغة الانجليزية وطبعه عام 1934عن مطبعة دار الكتب المصريّة بالقاهرة، وكانت علاقة آربري مع النفري قد بدأت مع أول بحث نشره عنه في مجلة الثقافة الإسلامية عام 1930.
وآربري الذي درس اللغات الشرقية في جامعة كامبريدج، ثم تخصص أكثر ودرس اللغة العربية بالقاهرة، التي عاد لها بعد ذلك لتولى رئاسة قسم الدراسات القديمة بالجامعة المصرية وهو في السابعة والعشرين من عمره، له عدة تحفيفات ذائعة الصيت منها كتاب "التعرف إلى أهل التصوف" للكلاباذي، وكتاب "الرياضة" للحكيم الترمذي.ولكن لا شيء يداني تحقيقه للمواقف والمخاطبات. ثم جاء الأب بولس نويا سنة 1973 لينشر ما لم ينشر من رسالتي المواقف والمخاطبات في كتابه “نصوص صوفية غير منشورة".
...
شخصية النفري شخصية غامضة ملتبسة فجل ما نعرفه عنه ، أن اسمه هو محمد بن عبد الجبار بن حسن النفري الذي ولد في مدينة نِفَّر الواقعة على ضفاف نهر الفرات شرقاً ولكنه تنقل كثيرا بين العراق ومصر، وتذكر المصادر أنه عاش في القرن الرابع الهجري مؤكدة وفاته في عام 375 هـ/965 بينما تأريخ ولاته ما زال ملتبساً.
كما أنه عاصر الحلاج وعايش مأساته، وشهد تداعيات صلبه التي أثرت على تصرفاته وتعاملاته مع من حوله.
وتؤكد المصادر أيضا بأن النفري لم يجمع نصوصه وأشعاره في كتاب أو ديوان بل كان يلقيها على مريديه ويدون بعضها في قصاصات حتى جاء حفيده بعد ذلك وجمعها في هذا السفر الخالد " المواقف والمخاطبات"
..
وعودة للمواقف والمخاطبات والنفري فأننا نكتشف حقيقة جديدة، فإذا كان أربري هو الذي أعاده إلى الحياة، فأن أدونيس هو الذي عمق وجوده في مشهدنا الثقافي وكرس وجوده رمزاً ومرجعية، ثم انهال عليه الشعراء بعد ذلك من كل حدب وصوب وأنا منهم.
ولم يتوقف تأثيره عند الشعراء بل تسرب إلى الروائيين وكتاب القصة القصيرة.
..
علاقتي به بدأت من خلال نصوص أدونيس التي تقاطع فيها مع بنائية الجملة وتراكيبها في " المواقف والمخاطبات" وبعض الدراسات النقدية التي تناولت علاقة قصيدة النثر العربية بالمرجعيات الكتابية الصوفية وتحديدا عند النفري.
وأتذكر في هذا السياق مقالا جميلا لصديقنا الشاعر محمد الدميني نشر في مجلة اليمامة عام 1985 سرد فيها قصة القبض على نسخة من المواقف في مكتبة أرامكو.
أما أنا فقد قبضت عليه بعد ذلك بعام في مكتبة البيان المندثرة والتي كان مواقعها بشارع الستين في جدة مقابل الموقع الحالي لمكتبتي المريخ وكنوز المعرفة، ومن هذه المكتبة حصلنا على " الهفت والأظلة" وديواني يوسف الخال وأمل دنقل والأعمال المسرحية لمعين بسيسو والكتاب الفذ " في معرفة النص" للدكتورة يمنى العيد.
..
وإذا كان لآربري فضل عودة الحياة للنفري والمواقف فأن الباحثين العرب بعد سطوع نجمه بدأوا في الالتفات له، وبعد عدة طبعات من الكتاب على مدى 60 عاما لم تكن سوى طباعة طبق الأصل عن الطبعة الأولى، بدأت تظهر طبعات جديدة للمواقف والمخاطبات اضافت ما تم اكتشافه من نصوص جديدة للمؤلف مع جمع لشوارده الشعرية وصدرت هذه الطبعات الجديدة عن منشورات الجمل بتحقيق سعيد الغانمي وكانت سابقا قد أعادت طباعة الكتاب عن اانسخة المصرية الأولى.
وعن دار المدى بتحقيق قاسم محمد عباس الذي أصدر أولا كتاب "النطق والصمت" واحتوى على شذرات - المناجيات - الديوان
كما أن الهيئة المصرية للكتاب أصدرت عدة طبعات منها طبعة بتحقيق عبدالقادر محمود وهناك طبعة مصرية أخرى بتحقيق جمال المرزوقي.
كما طبع وحقق كتاب شرح مواقف النفري لعفيف الدين التلمساني عدة مرات.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل صدرت عدة تستقريء نصوص الكتاب وفلسفة النفري منها "صوفية والفراغ - الكتابة عند النفري" لخالد بلقاسم
و "فلسفة التصوف .. محمد بن عبد الجبار النفري" لجمال أحمد سعيد المرزوقي
و "الفكر الصوفي عند النفري: تأمل في مقامي الوقفة والرؤيا" لوليد عبد الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق