" أعتقد أن باراغواي هي أكثر البلدان فتنة، وإثارة، ومتعة في العالم بأسره"
سي بي مانسفيلد
1852
--
سي بي مانسفيلد
1852
--
تحتل المخيلة مساحة كبيرة في العمل الإبداعي ولكنها في العمل الروائي تحتل مساحة مضاعفة، بل تكون صلب العمل وعموده الفقري، إن لم تكن كل العمل تقريباً.
وإذا كانت بعض الروايات وظفت الحادثة التاريخية وأعادت صياغتها من جديد "ليون الأفريقي – أمين معلوف"، أو صنعت من المكان الواقعي مكانا متخيلا وصنعت حوله شخوصا وأحداثا " مئة عام من العزلة – جارسيا غابريل ماركيز" أو حولت حادثة عابرة إلى حادثة كونية تغير مجرى التاريخ " البيت الكبير- الفارو سيبيدا ساموديو" أو استهلمت من أجواء التراث عالما موازيا وصنعت من لغته وشخوصه أحداثا متخيله في واقع شبيه"الزيني بركات – جمال العيطاني" أو وظفت العوالم الحديثة وشخوصها كأقنعة لعوالم وشخوص تاريخية " أولاد حارتنا – نجيب محفوظ".
وقس على هذه التشابكات بين الواقعي والمتخيل كثيرا في صناعة البنى الروائية.
ولكن أن يكون المكان متخيلا والحوادث افتراضية والشخوص مختلقة، فأننا إذا أمام عمل من الأعمال القليلة التي تنجح بإيصال المخيلة لمستوى مضاهاة الواقع.
ورواية " الأخبار من باراغواي" للأمريكية ليلي توك التي صدرت ترجمتها العربية عن دار كلمة الإماراتية تحقق هذا وبحرفية عالية وتقنية كتابية عالية المستوى، وتدفق معلوماتي وتاريخي يفوق الوصف، إلى حد أن يتساءل القاريء كيف يمكن للخيال أن يصنع واقعه ووقائعه بهذه الدقة والابداع.
خاصة وأن ليلي توك لا علاقة لها بالباراغواي عرقيا ولم تسكن بها بل ولم تزرها وأن كل ما كتبته في هذه الرواية من مشاهد حياتية وأجتماعية وطبيعية وبيئية وسياسية وتاريخية لم يكن سوى حصيلة ذهنها المتقد وخيالها الرحب وقراءاتها العميقة.
إلى حد أنه عندما فازت بجائزة الكتاب الوطني، الجائزة الأدبية الأهم في أمريكا وصف رئيس لجنة تحكيم الجائزة هذه الرواية بـ "بالمذهلة" لأنها "مزيج من اللغة والخيال نظراً لأن الروائية لم تسافر أبداً الى هذا البلد ومع ذلك ساعدها خيالها على وضع هذه الرواية".
ولذلك صدق مترجمها الليبي فرج الترهوني حين أوجز في وصف عوالمها قائلا "سيجد القارئ المهتم بتاريخ أميركا الجنوبية هذه الرواية بالغة الإثارة. فالكاتبة التي قضت فترة صباها هناك، جمعت تنوعا من المعلومات التاريخية، وصاغتها في حبكة قصصية مشوقة تجمع بين الدراما والكوميديا السوداء. تركز الرواية بالدرجة الأولى على شخصية فرانكو سولانو لوبيز، ثم تطور الحبكة حول عشيقته الأيرلندية الشقراء إيلا لاينش التي قد يماثل موقعها ونفوذها دور إيفا بيرون في الأرجنتين. الخط الأساسي الذي ترتكز عليه الرواية هو مذكرات إيلا ورسائلها إلى صديقتها الدوقة الفرنسية، وما تضمنته هذه الرسائل من أوصاف لفترة مكوثها في باراغواي وللحادثات التي شهدتها إيلا، ويستشف منها الحيوية التي تمتعت بها رغم الظروف المحيطة."
ولكي لا تلتبس على القاريء عبارة " قضت فترة من صباها هناك" فالمقصود البيرو والأورغواي، بينما الباراغواي فلم تحط قدما بها، وكل ما كتبته في الرواية عنها كان من مخيلتها أو توظيفا لبعض المعلومات المستقاة من بعض الكتب التاريخية والطبيعية مثل " رسائل من ميدان المعركة في باراغواي" للكابتن ريتشارد اف بورتون و"تاريخ باراغواي" لتشارلز واتسبون و" الحرب في باراغواي" لجورج تومسون وأخيرا "سبع سنوات حافلة بالاحداث في الباراغواي" لجورج فردريك ماسترمان.
من هذه الكتب ومن توهج المخيلة صنعت عوالمها الملحمية وحروبها الدامية وديكتاتورها المتعجرف وبطلتها إيلا لنش المتورطة في كل شيء في رحلة زمانية مكانية شكلت عالما روائيا متماسكاً.
وكأن ليلي توك توكد لنا هنا مقولة الروائي الفذ كين كيسي حين قال " الإبداع هو كذبة في خدمة الحقيقة"
..
أخيرا
إذا أردت أن تعرف ما يحدث في الباراغوي
بل أن أردت أن تعرف ما يحدث في دول الديكتاتوريات المخلوعة وجمهوريات الموز وملكات الجمال وحراس فتنة كرة القدم وملوك المخدرات
فاقرأ " الأخبارمن باراغواي"
وإذا كانت بعض الروايات وظفت الحادثة التاريخية وأعادت صياغتها من جديد "ليون الأفريقي – أمين معلوف"، أو صنعت من المكان الواقعي مكانا متخيلا وصنعت حوله شخوصا وأحداثا " مئة عام من العزلة – جارسيا غابريل ماركيز" أو حولت حادثة عابرة إلى حادثة كونية تغير مجرى التاريخ " البيت الكبير- الفارو سيبيدا ساموديو" أو استهلمت من أجواء التراث عالما موازيا وصنعت من لغته وشخوصه أحداثا متخيله في واقع شبيه"الزيني بركات – جمال العيطاني" أو وظفت العوالم الحديثة وشخوصها كأقنعة لعوالم وشخوص تاريخية " أولاد حارتنا – نجيب محفوظ".
وقس على هذه التشابكات بين الواقعي والمتخيل كثيرا في صناعة البنى الروائية.
ولكن أن يكون المكان متخيلا والحوادث افتراضية والشخوص مختلقة، فأننا إذا أمام عمل من الأعمال القليلة التي تنجح بإيصال المخيلة لمستوى مضاهاة الواقع.
ورواية " الأخبار من باراغواي" للأمريكية ليلي توك التي صدرت ترجمتها العربية عن دار كلمة الإماراتية تحقق هذا وبحرفية عالية وتقنية كتابية عالية المستوى، وتدفق معلوماتي وتاريخي يفوق الوصف، إلى حد أن يتساءل القاريء كيف يمكن للخيال أن يصنع واقعه ووقائعه بهذه الدقة والابداع.
خاصة وأن ليلي توك لا علاقة لها بالباراغواي عرقيا ولم تسكن بها بل ولم تزرها وأن كل ما كتبته في هذه الرواية من مشاهد حياتية وأجتماعية وطبيعية وبيئية وسياسية وتاريخية لم يكن سوى حصيلة ذهنها المتقد وخيالها الرحب وقراءاتها العميقة.
إلى حد أنه عندما فازت بجائزة الكتاب الوطني، الجائزة الأدبية الأهم في أمريكا وصف رئيس لجنة تحكيم الجائزة هذه الرواية بـ "بالمذهلة" لأنها "مزيج من اللغة والخيال نظراً لأن الروائية لم تسافر أبداً الى هذا البلد ومع ذلك ساعدها خيالها على وضع هذه الرواية".
ولذلك صدق مترجمها الليبي فرج الترهوني حين أوجز في وصف عوالمها قائلا "سيجد القارئ المهتم بتاريخ أميركا الجنوبية هذه الرواية بالغة الإثارة. فالكاتبة التي قضت فترة صباها هناك، جمعت تنوعا من المعلومات التاريخية، وصاغتها في حبكة قصصية مشوقة تجمع بين الدراما والكوميديا السوداء. تركز الرواية بالدرجة الأولى على شخصية فرانكو سولانو لوبيز، ثم تطور الحبكة حول عشيقته الأيرلندية الشقراء إيلا لاينش التي قد يماثل موقعها ونفوذها دور إيفا بيرون في الأرجنتين. الخط الأساسي الذي ترتكز عليه الرواية هو مذكرات إيلا ورسائلها إلى صديقتها الدوقة الفرنسية، وما تضمنته هذه الرسائل من أوصاف لفترة مكوثها في باراغواي وللحادثات التي شهدتها إيلا، ويستشف منها الحيوية التي تمتعت بها رغم الظروف المحيطة."
ولكي لا تلتبس على القاريء عبارة " قضت فترة من صباها هناك" فالمقصود البيرو والأورغواي، بينما الباراغواي فلم تحط قدما بها، وكل ما كتبته في الرواية عنها كان من مخيلتها أو توظيفا لبعض المعلومات المستقاة من بعض الكتب التاريخية والطبيعية مثل " رسائل من ميدان المعركة في باراغواي" للكابتن ريتشارد اف بورتون و"تاريخ باراغواي" لتشارلز واتسبون و" الحرب في باراغواي" لجورج تومسون وأخيرا "سبع سنوات حافلة بالاحداث في الباراغواي" لجورج فردريك ماسترمان.
من هذه الكتب ومن توهج المخيلة صنعت عوالمها الملحمية وحروبها الدامية وديكتاتورها المتعجرف وبطلتها إيلا لنش المتورطة في كل شيء في رحلة زمانية مكانية شكلت عالما روائيا متماسكاً.
وكأن ليلي توك توكد لنا هنا مقولة الروائي الفذ كين كيسي حين قال " الإبداع هو كذبة في خدمة الحقيقة"
..
أخيرا
إذا أردت أن تعرف ما يحدث في الباراغوي
بل أن أردت أن تعرف ما يحدث في دول الديكتاتوريات المخلوعة وجمهوريات الموز وملكات الجمال وحراس فتنة كرة القدم وملوك المخدرات
فاقرأ " الأخبارمن باراغواي"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق