كان يساورني شك يصل إلى حد اليقين بأن فضاء الفلسفة في العالم منذ أن زرع فيه نيتشة صرخة الاحتجاج، وذهب به هايدغر بعيدا باتجاه حدود الشعر، وفرنسا هي من تحمل الراية وفلاسفتها هم من يدوزنون الإيقاع، في صناعة الزمن الفلسفي للقرن العشرين، بعد أن كانت الجدلية الألمانية والنفعية الإنجليزية هما من تقودان المركب في القرنين الثامن والتاسع عشر.
ولكن كل هذا كان شكا لم أحاول أن أعرضه للتجربة وأقايسه بالواقع وأختبره بالجدال، حتى استفزني كتاب " فرنسا وفلاسفتها في مئة عام" للمفكر الفرنسي جان لويس فابياني الذي صدرت ترجمته العام الفائت عن دار الفارابي.
فهذا الكتاب حفزني على تملي النظر في قائمة الفلاسفة الفرنسيين الذين وشموا أتجاهات الفكر في المئة سنة الأخيرة، خاصة وأن يغوص في واقع المجتمع الفرنسي الذي أنجب هذه النماذج محاولا صناعة التبرير المنطقي الذي يسمح بوجود كل هذه القامات، ومعيدا ذلك إلى الأرث الفكري المتقد والحيوي دائما وقاعة الدرس في البيئة التعليمية الفرنسية.
ولأن الفضول لا حدود له، قادني هذا الكتاب لقراءة جديدة ومختلفة لكتاب آخر أعتز بوجوده في المكتبة العربية ومكتبتي خاصة هو كتاب " خمسون مفكرا أساسيا معاصرا – من البنيوية إلى ما بعد الحداثة" للاسترالي جون ليشته الذي ترجمه للعربية د. فاتن البستاني وراجع ترجمته د. بدوي وأصدرته المنظمة العربية للترجمة.
حيث وجدت أن الباحث الأسترالي ليشته وربما بتأثير من دراسته في باريس رصد في قائمته الخمسينية كما هائلا من الأسماء الفرنسية، الذي طغى حضورها على المشهد الفرنسي والعالمي أما بأفكارها المباشرة أو بسبب تأثيرها العميق على أصوات تناسلت من رؤاها ولكنها صارت أكثر مشهدية وتأثيرا من صناعها.
تبدا الأصوات الفرنسية في قائمة الـ 50 التي أعدها ليشته، باسم المفكر غاستون باشلار الحاضر في المشهد الادبي والأبداعي عالميا وحتى عربيا،
ثم تتوالى الأسماء حيث نجد
- جورج كانغيلام " عراب التوجهات البنيوية"
- جان كافاييس " صانع التغيير في تضاريس الفكر الفرنسي"
- مارسيل موس " المرجعية الأساسية لجيل بورديو – بوديار – دريدا – فوكو"
- موريس مرلو – بونتي " فيلسوف الوعي الفرنسي"
- لويس ألتوسير " الفيلسوف الماركسي في مدرسة المعلمين العليا"
- إميل بنفينست " حضور اللسانيات في الفلسفة"
- بيار بورديو " الفلسفة تنعش الفكر السوسيولوجي"
- جورج دوميزيل " الفلسفة تعود إلى حضن الأساطير"
- جيرار جينيت " تكريس السيميائيات في قراءة النصوص"
- جان لاكان " التحليل النفسي بعيدا عن التنويم المغناطيسي"
- كريستيان متز " قراءة السينما فلسفيا"
- ميشا سير " الحياة لعبة والمعرفة مهرج"
- فرنان بردويل " الأجل الطويل في فلسفة التاريخ"
- جورج باتاي " الفلسفة شذرات والعمى عنصر أساسي"
- جيل دولوز "الوعي الذاتي في الاختلاف والتكرار"
- جاك دريدا " الفلسفة بوصفها تفكيكا"
- ميشال فوكو " لذة الحياة واركيولوجيا المعرفة"
- رولان بارت " الحياة علامات والكتابة عند درجة الصفر"
- ميشال لودوف " الفلسفة ممارسة تحررية"
- الآن تورين " إعادة قراءة الحداثة"
- موريس بلانشو " الحياة من أجل الكتابة"
- فيليب سولير " تغيير معايير القراءة"
- جان بوديار " الكتابة بدون خلفية وكل شيء مؤجل"
- مارغرييت دورا " الفلسفة حياة ورواية وفيلم"
- جان فرانسوا ليوتار " الاختلاف حالة ما بعد الحداثة"
هذه الأسماء التي بلغت شهرة بعضها الآفاق وصارت ماركة مسجلة، ليست وحدها من تعطر بالفكر الفرنسي، فهناك جوليا كريستيفا وتودوروف وآخرون ليسو فرنسيين مولدا ولكن فلسفة فرنسا أحتوتهم تماما.
كما فرنسا التي أنجبتهم أنجبت من هم أشهر من هؤلاء في القرن العشرين مثل سارتر والبركامي وسيمون دي بوفوار ولو كانوا بعيدين عن البنيوية والحداثة وما بعد الحداثة.
..
ليست هذه قراءة في كتاب
ولا مناقشة حول تاريخ الفلسفة
ولا جدل عن نظريات فكرية قابلة للنقض والبناء
ولكنها تلويحة محبة لفرنسا وهي تزدهي بنكهة شانيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق