الجمعة، 14 أكتوبر 2016

ساباتو بين الحرف والدم يحفر نفقا لأرواحنا




الإبداع فضاء لا متناهي
والكتابة حفر في الآبار.
والحديث عن الأدب في أمريكا اللاتينية حديث لا يمل، والأسماء الحاضرة من تلك الأقاصي إلى قلب المشهد العربي وقبل ذلك العالمي، أكثر من الحصروالرصد والتصنيف.
فيكفي نوجه البوصلة نحو رفوف مكتباتنا وقلوبنا
لنصطدم بكل من نيرودا، ميسترال، بورخيس، ماركيز، يوسا، كارلوس فوينتيس، ماريو بينديتي ،خوان رولفو، خوليو كورتازار، إيزابيل اليندي وآخرين كثر.
ولكن مهما كانت القائمة متخمة والأسماء كثيفة، فأننا لا يمكن نغفل عن أحد أبرز الأسماء في فضاء الابداع اللاتيني المكتوب بالاسبانبة،
وأعني الروائي والقاص والباحث والشاعر وأيضا الفزيائي إرنستو ساباتو.
..
فهذا الذي عاش قرنا من الزمان إلا أشهر معدودات،
وبدأ حياته بل استمر طويلا عالما يحمل شهادة الدكتوراة من جامعة لابلاتا القومية في تخصصه الخطير الفيزياء النووية، وكان باحثا في مختبر كوري الفرنسي حيث وشمت روحه في تلك المرحلة الصاخبة رياح السوريالية التي كانت تحترق كالماء في فضاءات مدينة الموضات الأدبية والفكرية والجمالية.
وبعد ذلك لفترة قصيرة في معهد ماساتشوستس الأمريكي للتكنولوجيا قبل أن يكفر بكل هذا، وبالعلم الذي رأى أنه يهدد البشرية ويعود إلى الأرجنتين عام 1940 متفرغا للكتابة والرسم والتدريس الحامعي.
حتى انتهى به الوضع أن يموت بقرطبة في بيت بدون كهرباء ولا وسائل حياة حديثة.
..
هذا الزخم العلمي الثقيل الوزن لم يضغط عليه ولم يشكله، بل أن روحه الجامحة للحرية والانعتاق هي التي ضغطت عليه، وجعلته يمضي بعيدا، بعيدا
مكانا وأزمنة.
فبعد أن فشل أيديولوجيا ورأى أن الماركسية التي حاول أن يعانقها ترفض حريته ويرفض قيودها،
وفشل في مواصلة شغفه بالعلوم التي استشرف أنها ستقود العالم إلى الهاوية والخراب
كتب روايته الأولى " النفق" عام 1948
العام المشؤوم بالنسبة لنا، حيث لقيت صدى أرجنتينيا عاليا وتلقفتها كافة الدول اللاتينية والدول الناطقة بالاسبانية بتقديركبير، بل أنها وجدت صدى عالميا حتى أشاد بها الروائيان العالميان الألماني توماس مان والفرنسي البير كامو بقوة. وترجمتها دار غاليمار الفرنسية فورا قبل أن تنتقل إلى لغات العالم الأخرى.
وتحولت إلى أكثر من فيلم بسبب شغف الناس بها.
ولكنها ليست أول محطاته الكتابية، حيث اقتحم المجال الأدبي عام 1941 بقراءة في رواية (اختراع موريل ) للروائي أدولفو بيوي كاساريس.
وللعلم فقد صدرت الترجمة العربية لهذه الرواية البديعة عن منشورات الجمل بترجمة تصدى لها الشاعر أحمد يماني.
وإذا كانت سمعته الروائية العظيمة بنيت على 3 روايات فقط ترجمت كلها إلى العربية
هي "لنفق" – دار الأهالي
و"ملاك الجحيم – آبدون" – وزارة الثقافة السورية
و"أبطال وقبور" – دار الأهالي ثم صدرت الترجمة المعدلة والنهائية عن الدار الوطنية الجديدة
وجميع هذه الترجمات من انجاز المترجم عبدالسلام عقيل
إلا أن تجربته الكتابية أرحب من ذلك بكثير حيث أصدر 21 كتابا في مجالات النقد والفكر والفنون
ومجموعتين لمختاراته القصصية مع عدة كتب أخرى جمعت فيها كتاباته عن الوجودية والثقافة الوطنية والفكر القومي وتجاربه في الرسم وكرة القدم والتانغو.
ومن هذه الكتب ترجم إلى العربية
كتاب " الكاتب وكوابيسه" عن دارأزمنة بأنجاز عدنان المبارك
ثم ترجم مرة أخرى بعنوان " الكاتب وأشباحه" عن المركز القومي المصري للترجمة من انجاز سلوى محمود
كما صدر كتاب "الممانعة" مرتين
مرة عن مجلة الرافد الإماراتية ومرة عن دار كنعان ولترجمة واحدة هي ترجمة أحمد الوزيري
وأصدرت دار المدى من ترجمة المتخصص في ساباتو عبدالسلام عقيل كتاب "إرنستو ساباتو بين الحرف والدم" الذي يشمل الحوارات المطوله التي أجراها معه كارلوس كاتانيا.
وربما صدرت له ترجمات أخرى خذلتني الذاكرة والمكتبة التي لم تستعيد وعيها بعد في تذكرها.
--
المهم
من كل هذا
تبدو في تجربة ساباتو معطيات مشرقة لمعنى الكتابة
كخيار أول في الحياة
وأنها ليست تنفيسا ولا تعبيرا عن حياة
بل مواجهة حقيقية ومحتدمة مع الوجود
ولكن النفس الوجودي المتخم بالسوداوية
والخائف من آثار الغلو في تقديس العلم
جعلته ينحاز أكثر مما يجب
لجهة واحدة
ولكنها جهة أحتضنته حتى شارف المائة عام
وهو مستقر ومتصالح
مع الطبيعةوالحياة الأولى وعالم الناس في المقاهي.
أخيراً
ونحن نعيش مرارة نوبل
نتذكر أن ساباتو رشح لجائزتها ثلاث مرات آخرها عام 1999 ولكنه رحل دون أن ينالها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق